الكابتن Admin
عدد الرسائل : 693 العمر : 63 تاريخ التسجيل : 01/02/2009
| موضوع: أمريكا وإسرائيل.. عندما يكره اليهودي نفسه الثلاثاء يوليو 21, 2009 12:08 pm | |
| أمريكا وإسرائيل.. عندما يكره اليهودي نفسه بقلم : د. محمد السعيد إدريس | |
ربما تكون هذه هي المرة الأولي التي تواجه فيها إسرائيل, منذ نشأتها عام1948, مايمكن تسميته بـ'صدام المصالح' مع الولايات المتحدة الأمريكية, هذا الصدام, الذي لم تتكشف منه غير بعض المؤشرات المحدودة, ظل طيلة العقود الستة الماضية من عمر الدولة العبرية مجرد رهان أشبه بالمقامرة مع المجهول, لأسباب كثيرة أبرزها أن العلاقة التي نشأت بين الدولة الصهيونية والولايات المتحدة أخذت نمطا فريدا ليس له مثيل في العلاقات بين الدول جعل البعض يصفها بأنها' علاقة خاصة' أو' علاقة نادرة'. لذلك كانت هذه العلاقة هي إحدي ركيزتين أساسيتين اعتمدت عليهما الدولة الإسرائيلية في استراتيجيتها وحروبها وبرامج توسعها, وكانت الركيزة الأولي بالطبع هي الاعتماد علي القوة الذاتية الإسرائيلية, لذلك كانت سرعة التوجه لامتلاك السلاح النووي منذ عام1956 والحرص علي التفرد بامتلاكه في إقليم الشرق الأوسط باعتباره خط الدفاع الأخير عن وجود الكيان الصهيوني.
في السنوات الأخيرة, وبالذات منذ الاضطرار الاسرائيلي للانسحاب من جنوب لبنان عام2000, بدأ السؤال خافتا حول مدي استمرار الرهان الأمريكي علي الدور الإسرائيلي في الدفاع عن المصالح الأمريكية, وهو الدور الذي كان أحد مبررات تلك العلاقة الفريدة بين إسرائيل والولايات المتحدة.
السؤال فرض نفسه بقوة بعد الحرب الإسرائيلية الفاشلة علي لبنان صيف2006 وهي الحرب التي أكد مؤخرا دان حالوتس, رئيس أركان الجيش الإسرائيلي حينذاك, أنها تم التخطيط لها منذ مايو2000 انتقاما للانسحاب الاسرائيلي الاضطراري من جنوب لبنان, في ذلك الوقت كان طرح مثل هذا السؤال المهم والخطير يعني التشكيك في قدرة إسرائيل علي الوفاء بالمهمة وفقا للمعادلة التي صاغتها جولدا مائير رئيسة الحكومة الإسرائيلية السابقة بعد حرب عام1967 والتي تقول:' اعطونا السلاح ونحن نقوم بالمهمة', وكان يعني أيضا التشكيك في جدية أو رجاحة فكرة ارييل شارون رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق القائلة بأن المزيد من إطلاق الولايات المتحدة يد إسرائيل في ضرب العرب والقسوة عليهم يدفع أثرياءهم حلفاء واشنطن لمزيد من الارتماء في الأحضان الأمريكية ودفع المزيد من الأموال وتقديم المزيد من التنازلات للأمريكيين طلبا لتدخلهم لوقف الاعتداءات الإ سرائيلية.
هذه الفكرة فقدت مصداقيتها وجديتها في السنوات الأخيرة وبالذات منذ التورط الأمريكي في الحرب ضد ما اسمته واشنطن بـ'الارهاب' وبتحديد أكثر منذ شن الحرب الأمريكية علي أفغانستان والتورط في غزو العراق واحتلاله, حيث أصبحت الولايات المتحدة أكثر احتياجا لدعم أصدقائها العرب من حاجة هؤلاء الأصدقاء للدعم الأمريكي. لقد أستفادت إسرائيل كثيرا من غزو الأمريكيين للعراق واحتلاله باعتراف آفي ديختر وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي( الشاباك) السابق الذي كشف في محاضرة خطيرة له في سبتمبر الماضي عن أن إسرائيل حققت في العراق مالم تحلم به في يوم من الأيام, ولكن مع إدراك الأمريكيين لخطورة ورطتهم في العراق وتوصلهم إلي قناعة بضرورة تدبير انسحاب مشرف من هذا' المستنقع' الأشبه بـ'المستنقع الفيتنامي' أخذ الحديث يتصاعد عن الدور الإسرائيلي في توريط الأمريكيين في الحرب ضد العراق في الوقت الذي ازدادت فيه الحاجة الأمريكية للعرب كي تخرج من هذا المستنقع بأقل قدر ممكن من الخسائر.
في ظل هذه التطورات جاءت أحداث الحرب الإسرائيلية علي قطاع غزة في يناير2009 وهي الحرب التي وضعت أصدقاء الولايات المتحدة من' المعتدلين العرب' في موقف شديد الحرج مقارنة بالموقف الإيراني الذي ظهر باعتباره الداعم الأهم للصمود الفلسطيني ضد العدوان الإجرامي في قطاع غزة. وعندما كانت أحداث هذه الحرب تتفاقم هي وتداعياتها علي المستويين العربي والأمريكي لم يكن الرئيس المنتخب باراك أوباما قد تسلم مهامه الدستورية بعد, وكانت الإدارة الأمريكية السابقة شبه مشلولة لانشغالها بمغادرة البيت الأبيض ولملمة أوراقها.
وقتها لم يستطع باراك أوباما أن يفعل شيئا لكنه كان يراقب ويبدو أنه قد اتخذ القرار الذي استخلصه من بين ركام أداء إدارة جورج بوش وأهوال الحرب الإسرائيلية علي قطاع غزة, وإدراكه للحاجة الأمريكية المتزايدة لدعم المعتدلين لإنهاء الحرب في العراق ولدعم الولايات المتحدة في إنهاء الحرب في أفغانستان وإيجاد حلول للأزمة مع إيران. هذا الإدراك أصطدم بواقع إسرائيلي جديد رافض لهذا التوجه الأمريكي فرضته نتائج الانتخابات النيابية الإسرائيلية التي جاءت بإئتلاف حكومي لليمين الإسرائيلي المتشدد بقيادة حزب الليكود الذي يتزعمه بنيامين نيتانياهو. وتفاقم هذا الاصطدام بطرح حكومة نيتانياهو توجها بديلا لتوجه إدارة باراك أوباما يطالب بإعطاء الأولوية لحل ملف البرنامج النووي الإيراني سلما أو حربا, وبعدها ستكون الظروف مواتية لفتح الملف الفلسطيني, وظهور أفكار جديدة للحل لاتعتمد علي فرض تنازلات إسرائيلية غير مقبولة.
هذا الإصطدام ظهر جليا في لقاء نيتانياهو مع أوباما في واشنطن(18 مايو2009) وهو اللقاء الذي تمسك فيه نيتانياهو بأولوية التعامل مع الملف النووي الإيراني وبحق إسرائيل في الدفاع عن مصالحها بما يعني حقها في شن حرب وقتما تشاء ضد المنشآت النووية الإيرانية إذا رفضت واشنطن المشاركة في هذه الحرب, وهنا بالتحديد ظهرت بوادر جدية مؤشرات صدام المصالح بين إسرائيل والولايات المتحدة.
فقد ذكرت صحيفة' يديعوت أحرونوت' أن اللقاءات التحضيرية التي عقدها الرئيس باراك أوباما مع بعض قادة المنظمات اليهودية الأمريكية كشفت عن إصرار إدارة أوباما علي تحقيق تسوية دائمة للصراع' الإسرائيلي ـ الفلسطيني' خلال الدورة الحالية لهذه الإدارة, وأن بعض رجال هذه الإدارة يرون أن الحكومة الإسرائيلية تضع عراقيل أمام هذه التسوية, وأنه حتي أصدقاء إسرائيل في الكونجرس يشاطرون أوباما موقفه ويرون أن إسرائيل تؤدي دورا سلبيا في التعاطي مع المصالح الأمريكية العليا في المنطقة.
ووصف أحدهم الموقف الإسرائيلي بأنه' يثير الأعصاب' خاصة تصريحات نيتانياهو التي أطلقها في جلسات داخلية وقال فيها إن' رام عمانويل'( رئيس ديوان الموظفين في البيت الأبيض الذي يعتبر الشخصية الثانية بعد الرئيس) وديفيد اكسلارود( المستشار السياسي للرئيس) هما يهوديان يكرهان نفسيهما( وهو التعبير الذي يقال لليهودي الذي يخون مصالح شعبه اليهودي)'.
صدمات تتوالي لعلاقات ظلت توصف علي مدي عقود ستة مضت بأنها' علاقة فريدة' من نوعها, قد تكون بمثابة مؤشرات لإدراك متبادل بصدام المصالح بين البلدين, أو باحتمال حدوث مثل هذا الصدام, لكن يبقي السؤال الأهم: هل ستترك الاحتمالات تتحول إلي واقع أم يتم احتواؤها؟ ولكن كيف؟ وعلي حساب من؟ وأين العرب من هذا كله؟ |
| |
|