الأرض التي يحشر العباد عليها في يوم القيامة أرض أخرى غير هذه الأرض ، قال تعالى : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) [إبراهيم : 48] . وقد حدثنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن صفة هذه الأرض الجديدة التي يكون عليها الحشر ، ففي صحيحي البخاري ومسلم عن سهل بن سعد قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي " قال سهل أو غيره : " ليس فيها معلم لأحد " (1) .
قال الخطابي : العفر : بياض ليس بناصع . وقال عياض : العفر بياض يضرب إلى حمرة قليلاً . وقال ابن فارس : معنى عفراء خالصة البياض (2) .
والنَقِيّ : فتح النون وكسر القاف ، أي : الدقيق النقي من الغش والنخال (3) .
والمعْلم : العلامة التي يُهتدى بها إلى الطريق ، كالجبل والصخرة ، أو ما يضعه الناس دالاً على الطرقات ، أو على قسمة الأراضي .
وقد جاءت نصوص كثيرة عن عدد منا لصحابة تفيد معنى الحديث الذي سقناه هنا ورواه صاحبا الصحيحين ، فقد أخرج عبد بن حميد والطبري في تفاسيرهم والبيهقي في شعب الإيمان من طريق عمرو بن ميمون عن عبد الله ابن مسعود في قوله تعالى : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ ) [ إبراهيم : 48 ] . قال : تبدل الأرض أرضاً كأنها الفضة لم يسفك عليها دم حرام ، ولم يعمل عليها خطيئة ، ورجاله رجال الصحيح ، وهو موقوف، وأخرجه البيهقي من وجه آخر مرفوع . وقال : الموقوف أصح (4) .
وأخرجه الطبري والحاكم من طريق عاصم عن زر بن حبيش عن ابن مسعود بلفظ : " أرض بيضاء كأنها سبيكة فضة " ورجاله موثقون أيضاً (5) .
وعند عبد بن حميد من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة قال : بلغنا أن هذه الأرض يعني أرض الدنيا تطوى ، وإلى جنبها أخرى يحشر الناس منها إليها . وفي حديث الصور الطويل : " تبدَّل الأرض غير الأرض والسماوات ، فيبسطها ويسطحها ، ويمدّها مدَّ الأديم العكاظي ، لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً ، ثم يزجر الله الخلق زجرة واحدة ، فإذا هم في هذه الأرض المبدَّلة ، في مثل مواضعهم من الأولى ، ما كان في بطنها كان في بطنها ، وما كان على ظهرها كان على ظهرها " (6) .
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الذي يبدل من الأرض إنما هو صفاتها فحسب ، فمن ذلك حديث عبد الله بن عمرو الموقوف عليه ، قال : " إذا كان يوم القيامة مُدت الأرض مد الأديم ، وحشر الخلائق " . ومن ذلك حديث جابر رفعه : تمدُّ الأرض مدّ الأديم ، ثم لا يكون لابن آدم منها إلا موضع قدميه " . ورجاله ثقات ، إلا أنه اختلف على الزهري في صحابيه (7) .
ومنها حديث ابن عباس في تفسير قوله تعالى : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ ) [إبراهيم : 48] ، قال : " يزاد فيها ، وينقص منها ، ويذهب آكامها وجبالها ، وأوديتها، وشجرها ، وتمد مد الأديم العكاظي " (
.
الوقت الذي تبدل فيه الأرض غير الأرض والسماوات :
أفادنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن الوقت الذي يتم فيه هذا التبديل هو وقت مرور الناس على الصراط أو قبل ذلك بقليل ، ففي صحيح مسلم عن عائشة قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله عز وجل : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ ) [إبراهيم : 48] ، فأين يكون الناس يا رسول الله ؟ فقال : على الصراط " (9) .
وفي صحيح مسلم أيضاً عن ثوبان أن حبراً من أحبار اليهود سأل الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هم في الظلمة دون الجسر " (10) ، والمراد بالجسر الصراط .
--------------------------------
(1) رواه البخاري في كتاب الرقاق ، باب يقبض الله الأرض ، فتح الباري : (11/372) . ومسلم في كتاب صفات المنافقين ، باب البعث والنشور . (4/215) ورقم الحديث : 2790 والسياق للبخاري .
(2) فتح الباري : (11/375) .
(3) المصدر السابق .
(4) فتح الباري : (11/375) .
(5) فتح الباري : (11/375) .
(6) فتح الباري : (11/375) .
(7) فتح الباري : (11/376) .
( فتح الباري : (11/376) .
(9) صحيح مسلم ، كتاب صفات المنافقين ، باب البعث والنشور ، (4/2150) ورقمه (2791) .
(10) صحيح مسلم ، كتاب الحيض ، باب بيان صفة مني الرجل والمرأة ، (1/252) ورقمه (315) .